فلسفة المشترك في موسوعة رواد الاصلاح في مغرب القرن العشرين(أحمد الفراك)
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن ينهض مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية بمهمة إنجاز موسوعة علمية تُذكِّر بأفضال الأجيال السابقة من العلماء والمفكرين والفلاسفة والمصلحين في بلاد المغرب الأقصى خلال القرن العشرين، وتوفر للباحثين والمهتمين مدخلا إلى قراءة العقل المغربي المعاصر في مجموعه الفكري المركب.
ففي حوالي 653 صفحة تجاور عشرات الرُّواد من كبار المصلحين المغاربة (من مختلف المرجعيات والاهتمامات) مع بعضهم البعض في شكل كُتلة وطنية تاريخية عالمة، بذلت الكثير من أجل خدمة الإنسان متوحدا ومجتمعا، ولئن أفضى الناس إلى ما قدموا، فقد خلَّفوا وراءهم وصايا الإصلاح شاهدة على عِظم جهودهم ونُبل مقاصدهم، حتى يعيها الوارثون المؤتمنون على التمسك بها بالسواعد.
إن هذا الإنجاز التاريخي الذي نسَّقه الدكتور سمير زردة مشكورا، وسانده في ذلك الدكتور ادريس مقبول رئيس المركز بسابق خبرته وجميل تواصله، وتشرفتُ شخصيا بالانتماء إلى لجنته العلمية والإسهام في تحكيم بعض أعماله، قد أعاد الحياة إلى هذه الكوكبة من السَّلف الوطني المعاصر، الذي أضاء التاريخ المغربي الراهن، وحاول رد شيء من الجميل إلى تلك العقول التي تهممت بمسألة الإصلاح وبذلت تفكرها وجهدها من أجل إنجازه في واقع يستعصي على الإصلاح.
لقد شكل إنشاء وثيقة الموسوعة انتصارا لفلسفة المشترك الإنساني والأخلاقي لما نظرت إلى خيوط الموضوع من الأعلى، وأنشأت منها شبكة متكاملة ومتداخلة ومنسجمة، لا شك أنها ستغني المكتبة المغربية بكنزٍ معرفي ثمين، وصيد ثقافي غير مسبوق (حسب علمي)، فلم تتيامن هذه المعلمة الغنية ولم تتياسر، كما لم تغادر أمانة الإنصاف ولم تحد عن ثقافة الاعتراف، إذ جمعت علماء التربية برموز الفكر، وأساطين الفلسفة برجال السياسة، وزعماء المقاومة بفرسان الدعوة، فاجتمع الائتماني والعلماني، وتساكن الحقوقي والدبلوماسي، وتعاشَر السلفي والصوفي، وحضرت جميع الأطياف المتقابلة على مائدة المشترك الوطني: الإصلاح، وكأن الجميع محتاجٌ للجميع. وتلك هي الرسالة التي يجب أن تفهمها الأجيال الحالية وهي تستشرف مستقبلا لا نراه ممكنا إلا بالتفكير المشترك في الوطن المشترك.