التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية-(محمد الشرقاوي)_ج 4_
تفسيرات التآمر لسبب فيروس كورونا
عادت بعض الأعمال الأدبية إلى دائرة الضوء مجدَّدًا في ذروة انتشار الفيروس الجديد. من هذه الأعمال رواية “عيون الظلام” (The Eyes of Darkness) التي تم نشرها عام 1981 للأديب دين كونتز (Dean Koontz) الذي تحدث عن فيروس مميت يسمى “ووهان 400″، ووصفه بأنه “مرض شبيه بالالتهاب الرئوي” ينتشر لمهاجمة “الرئتين والأنابيب القصبية” ويشكل “مقاومة أمام جميع العلاجات المعروفة.” يروي دومبي (Dombey)، إحدى الشخصيات الرئيسية في الرواية، قصة عالم صيني أحضر سلاحًا بيولوجيًّا يسمى “ووهان -400” إلى الولايات المتحدة. يقول دومبي “لفهم ذلك، عليك العودة إلى عشرين عامًا إلى الوراء عندما انتقل عالم صيني منشق يدعى (Li Chen) إلى الولايات المتحدة، حاملًا قرص إلكترونيًّا وفيه معلومات عن أهم وأخطر سلاح بيولوجي صيني جديد خلال عقد من الزمن. ويُطلق على هذه المادة اسم “Wuhan-400” لأنه تم تطويره في مختبرات “أر دي إن إي” (RDNA) خارج مدينة ووهان، وكانت سلالة قابلة للحياة من أربعمائة من الكائنات الحية الدقيقة من صنع الإنسان التي تم تركيبها في مركز البحوث هذا”(20).
ينبغي أن يستحضر المرء المسافة بين الخيال والواقع. ومع ذلك، يعتدُّ عدد من مراقبي السياسية الصينيية والمسؤولين العسكريين الغربيين بوجود صلة قوية بين فيروس كورونا والأبحاث الأخيرة التي أجريت في معهد ووهان لعلم الفيروسات. وقد جادل البعض بأن الفيروس الجديد قد يكون علامة استفهام إزاء “الأسرار المظلمة” التي يتم تطويرها في مختبرات الحرب البيولوجية حول العالم. علاوة على ذلك، هناك منحى متزايد نحو إضفاء هوية إثنية أو عرقية للفيروس الجديد باسم “الفيروس الصيني” في وسائل الإعلام والمنشورات الغربية. فقد سمع موظفو مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين ما تردَّد كتقارير أولى عن فيروس غير معروف سابقًا بإصابة عدد من الحالات بالالتهاب الرئوي في ووهان في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019. بعد ذلك اتجهت الرواية الرئيسية نحو احتمال أن يكون الفيروس الجديد قد نشأ في سوق المأكولات البحرية في ووهان، حيث يتم تداول الحيوانات بما فيها الطيور والأرانب والخفافيش والثعابين بشكل غير قانوني. بعد الاجتماع مع تيدروس أ. غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في قاعة الشعب الكبرى في ميدان تيانانمن في بكين، وهي رمز القوة السياسية للحزب الشيوعي الصيني في 28 يناير/كانون الثاني 2020، صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن “الوباء شيطان. ولا يمكننا ترك الشيطان يختبئ“(21). وبحلول 15 فبراير/شباط، أصدرت وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية توجيهًا جديدًا بعنوان: “تعليمات حول تعزيز إدارة الأمن البيولوجي في مختبرات علم الأحياء الدقيقة التي تتعامل مع الفيروسات المتقدمة مثل فيروس كورونا الجديد”. وفي 11 مارس/آذار، أقرَّت السلطات الصحية الصينية بوجود أكثر من 81032 حالة إصابة و3204 حالة وفاة.
وتساور الشكوكُ ذهنَ ستيفن موشر (Steven Mosher)، رئيس معهد البحوث السكانية ومؤلف كتاب “بلطجي آسيا: لماذا يكون حلم الصين هو التهديد الجديد للنظام العالمي”، بشأن السبب وراء النداء الاستعجالي للرئيس الصيني لإنشاء نظام وطني للتحكم في الأمن البيولوجي الذي يهدد “حماية صحة المواطنين”، ما دام أن سلامة المختبر هي قضية “الأمن القومي”، بعد أسبوع واحد من تصريحه بشأن “الحاجة لاحتواء فيروس كورونا” في 15 فبراير/شباط. ويعتقد موشر أيضًا أن لدى الصين مشكلة “الاحتفاظ بمسببات الأمراض الخطيرة في أنابيب الاختبار حيث ينبغي أن تكون محفوظة، أليس كذلك؟ وما هو عدد “مختبرات علم الأحياء الدقيقة” الموجودة في الصين التي تتعامل مع “الفيروسات المتقدمة مثل فيروس كورونا الجديد؟”(22)، ويدعو رئيس معهد أبحاث السكان إلى بعض الاستدلال الاستنتاجي لكون ووهان مكان ولادة فيروس كورونا. ويجادل بالقول: “اتضح في كل ربوع الصين، أن هناك مركزًا واحد فقط، ويقع في مدينة ووهان التي تصادف أنها عين انتشار الوباء. صحيح. إن مختبر الأحياء الدقيقة الوحيد والمجهز للتعامل مع فيروسات كورونا المميتة في الصين، والمسمى المختبر الوطني للسلامة البيولوجية، هو فرع من فروع معهد ووهان لعلم الفيروسات”(23).
وأشارت التقارير إلى أنه تمَّ إرسال كبيرة خبراء جيش التحرير الشعبي في الحرب البيولوجية، المايجور جنرال تشين وي (Chen Wei)، إلى ووهان في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي للمساعدة في الجهود المبذولة لاحتواء تفشي المرض. وفقًا لصحيفة “بي إلى إي ديلي” (PLA Daily)، كانت تشين تبحث في فيروسات كورونا منذ تفشي وباء السارس عام 2003، وكذلك إيبولا والجمرة الخبيثة. لم تكن هذه رحلتها الأولى إلى معهد ووهان لعلم الفيروسات، لكونه واحدًا من مختبريْ أبحاث الأسلحة البيولوجية فقط في الصين كلها. ويقول موشر إن فيروس السارس القاتل تسرب مرتين إلى خارج مختبر في بكين. وسرعان ما تم احتواء وباء كورونا والسارس بسرعة، وهما وباءان من صنع الإنسان. ولكن لم يكن أي من انتشارهما سيحدث على الإطلاق لو تم اتخاذ احتياطات السلامة المناسبة.
وينتقد إيفو دالدر (Ivo Daalder)، رئيس مجلس شيكاغو للشؤون العالمية وسفير الولايات المتحدة السابق لدى حلف شمال الأطلسي، الصين “لسرِّيتها وتقاعسها عن التعاون”، الأمر الذي سهَّل إمكانية تحوُّل الوباء إلى حقيقة(24). ويتذكر كيف تذكَّر الأطباء في ووهان، المدينة الصناعية التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، زيادة عدد المرضى الذين يعانون أعراضًا مشابهة لمرض السارس الذي أودى بحياة ما يقرب من 800 شخص في عامي 2002 و2003. فتمَّ حجر المرضى، وأصدرت لجنة الصحة في ووهان إشعارًا عامًا يؤكد عدم وجود سبب للقلق، وتمَّ تعقب العدوى إلى سوق الحيوانات الحية، والذي تم إغلاقه في 1 يناير/كانون الأول، وتحديد التسلسل الجيني لفيروس جديد بعد يومين.
نتيجة لذلك، أثارت المقالة الافتتاحية التي كتبها دالدر بعض الرجة مع المسؤولين الصينيين. وأرسل تشاو جيان، القنصل العام الصيني في شيكاغو، رسالة إلى رئيس تحرير صحيفة شيكاغو تريبيون يتهم فيها دالدر بـ”عدم الدقة والتحيز”(25). وتمت تعبئة الدبلوماسية الصينية في الغرب للسيطرة على مثل هذه السردية، ولتعزيز فكرة أن استجابة الحزب الشيوعي للفيروس كانت في الواقع شفافة وفعالة. واتهمت السفارة الصينية في لندن مجلة الإيكونوميست بـ”موقف التحيز ضد النظام السياسي الصيني”. وفي باريس، قالت السفارة الصينية: إن تغطية بعض وسائل الإعلام تركز على “الانتقاد الانعكاسي لكل شيء صيني بما يقترب من حد جنون الشك”. واتهم دبلوماسيون صينيون في برلين وسائل الإعلام الألمانية بـ”مواصلة إثارة الذعر ونشره”. ومن المفارقات أن سفارة الصين في كوبنهاجن طالبت من “جوتلاند بوست” (Jutland Post)، وهي الصحيفة الأكثر مبيعًا في الدنمارك، بتقديم “الاعتذار علنًا للشعب الصيني” لنشرها رسمًا كاريكاتوريًّا يظهر العلم الصيني مع رسوم توضيحية لفيروس بدلًا من النجوم”(26).
ويشكِّك عدد من المراقبين الغربيين في ما يعتبرونه إفراط الصين في توخي السرية بشأن دينامييات انتشار فيروس كورونا وتعبئة المدافعين عنها بأعداد هائلة بغية فرض رواية رسمية، لكنها أقل مصداقية. وتشير لوكريسيا بوغيتي (Lucrezia Poggetti)، محللة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين في معهد ميركاتور لدراسات الصين (Mercator Institute for China Studies)، إلى أن “الحزب الشيوعي قام بتضييق الخناق على المعلومات التي تم تبادلها حول الوباء، وأرسل أكثر من 300 شخص لإنتاج وترويج قصص إخبارية إيجابية حول الصين وتعاملها مع تفشي المرض”(27). ويحذر مراقبون آخرون من فقدان معلومات لم تقدمها الصين. وعلى سبيل المثال، يشير أنتوني فوسي (Anthony Fauci)، مدير المعهد الوطني الأميركي لأمراض الحساسية والأمراض المعدية، إلى الفجوة بين الواقع والمعلومات المتوفرة، ويتساءل عن الفرق بين “الأرقام التي يتم تقديمها في مؤتمر صحفي مقابل الأرقام التي يمكنك في الواقع البحث عنها من خلال تحليل البيانات”(28).