سادة لب التاريخ(أبو يعرب المرزوقي)
حتى يكون الكلام واضحا من البداية فلأعرف القصد بسادة لب التاريخ فهم حماة حضارة الإسلام من حيث هي سر تعالي وحدة الامة الروحية بفضل الإيمان بالآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشرة من الحجرات:
فهم يؤمنون بالأخوة الإنسانية رحما كليا يتعالى على الرحم الجزئي الذي يقسمهم عرقيا وقبليا قريبا وينسيهم الوحدة المتقدمة عليها بعيدا في بدء الخلق:
الآية الأولى من النساء.
ويؤمنون بالمساواة بين الشعوب والقبائل ويعتبرون التعدد الاثني شرطا في التنوع المشروط في التعارف معرفة ومعروفا لتحقيق اللقاء بين الرحمين الكلي والجزئي ويكون التفاضل بالتقوى:
الآية الثالثة عشرة من الحجرات.
وحتى يزداد الوضوح اكثر فالقصد بعبيد قشور الجغرافيا
عملاء الاستعمار الذين استعملهم لفرض تفتيت جغرافية دار الإسلام – وأخر أشكاليه سايكس بيكو الأولى ومحاولات الثانية – ليعيد الأمة إلى ما أبشع مما كانت عليه ثورتي الإسلام هذين فيصبح كل شبر من الجغرافيا مسرح حرب أهلية عرقية وقبلية وطائفية ويزول لب التاريخ الذي جعلهم أمة ذات رسالة كونية.
والآن فلنحاول فهم الكيفية التي انتصر بها سادة اللب على عبيد القشور؟
فمن يمثل الب الذي جعل التاريخ يصمد هم غالبية الشعب في دار الإسلام كلها وعلامة ذلك صمود المقاومة من الفلبين واندونيسيا إلى المغرب وما وراء الصحراء الافريقية منذ بداية الحروب الصليبية والمغولية والاستردادية والاستعمارية إلى اليوم.
أما من يمثلون القشور فهم قلة من نخب هذه الشعوب يستبدون بالأمر لقبولهم بالعبودية واستقوائهم باصحاب الحملات على دار الإسلام منذ حلف الباطنية مع الصليبيين ثم مع المغول ثم مع الاسترداديين إلى آخر حلف مع الاستعمار ومغول الغرب وانضم إليهم القوميون والملحدون من مقلدي اليعقوبيين والماركسيين.
وكل هؤلاء العبيد تبنوا فكرتين تبدوان متناقضتين لكنهما تهدفان إلى نفس الغاية:
استعادة جغرافية ما قبل الإسلام واحياء الفتات الذي كان خاضعا للامبراطورية الفارسية والبيزنطية وتطبيقها في الجغرافية التي فرضها الاستعمار لما تقاسمت امبراطورياته دار الإسلام من المغرب إلى الفيليبين.
هذه هي القصة التي نراها اليوم تعيش آخر لحظات الاحتضار الذي بدأ منذ قرنين. ونهايتها الأكيدة بينة من التقدم في خطى الاستئناف.
ولهذا التقدم بعدان بينان لمن يريد أن يفهم اللحظة التاريخية التي عاد في مركز دار الإسلام أي اقليمنا إلى دوره التاريخي الكوني من جديد. فكانت أولى علاماته نهاية الدائين اللذين أديا إلى سايكس بيكو الأولى ومحاولة الثانية للمزيد من التفتيت في مركز المركز أي الأرض التي تلتقي فيها عواصم الخلافة الأربعة الكبرى أعني المدينة والعراق والشام والقسطنطينية:
العلامة الأولى هي فشل علمنة الشعوب الإسلامية ومن ثم عزل النخب التي تعلمنت ولم يعد لها القدرة على ما مكنها من تغييب فاعلية الأغلبية والرمز هو عودة تركيا لذاتها لتستعيد دورها لاستئناف تاريخ الأمة الكوني.
والعلامة الثانية هي ما ترتب على فشل امبراطوريات الغرب في محاولة اخضاع الشعوب التي استعمروها ولم يعد لهم القدرة التي تمكنها من حماية عملائها والرمز هو الهروب من أفغانستان والتسليم باستحالة هزيمة الإسلام.
والعلامة الجامعة هي أن الشأن السياسي “أمر الجماعة” بلغة القرآن لم يعد قابلا للعلاج والحسم فوق إرادة الجماعة أي في بلاط الحكام العملاء سواء كانوا عملاء من قبيلة أو من جيش بل صارت جوهر الحرب الأهلية التي مطلبها الوحيد جعلها “شورى بينهم”ي تحقيق الآية 38 من الشورى.لذلك فبين الحدثين حصلت أولى خطوات هذه الثورة: إنها ثورة الربيع العربي الجامعة بين تحرر المواطن واستكمال تحرير الأوطان حصولا جعل منطلقه (تونس) ورمزه ذا العمق الروحي المحرر من الفهم الانفعالي للقضاء والقدر (بيتا الشابي) كلاهما يعود إلى تونس ما جعلها ذات تأثير كوني تأكد منذ أن اجتمع على ثورتها كل العملاء ومن يستعملونهم في الأقليم والرمز هو انقلاب الدمية آخر ما في جعبتهم لتعطيل موجتها الثانية.
فهو يذكر بما كان لها منذ أقدم دور لها في مثل هذا الصراع لأنها هي الأولى في التاريخ العالمي التي استطاعت أن تصمد أمام روما فساهمت في منازعتها السيطرة على الأقليم
ولم تكن هزيمتها نهائية لأنها أسهمت في جعلها تسقط، ليتحرر الأقليم من جديد بثورة أسمى منهما هي الثورة التي لا تعرف نفسها بالتقابل بين الشرق والغرب بل هي تعتبر نفسها ثورة إنسانية كونية لا شرقية ولا غربية لأنها تصل الإنسانية بنور الوحدانية وتأسيس التاريخ الكوني الذي يستند إلى المبدأين اللذين تعرفهما الآيتان.لذلك فإسقاط الانقلاب آت لا ريب فيه. وسيكون ذلك العلامة النهائية لتحقق شروط الاستئناف.
فما هي البينات التي تثبت هذا الحكم الذي يبدو شديد التفاؤل؟
الجواب بأنها بينات نراها بالعين المجردة فضلا عن التحليل العقلي وسأكتفي ببينتين:
الأولى : تتعلق بذراعي أعداء الإسلام في الإقليم أي إسرائيل وإيران أداتين لأعداء الإسلام من الغرب والشرق تستتبعان نوعي العلماء من النخب العربية الحاكمة.
فالثورة المضادة إقليمية بأدوات التمويل العربي المادي (الأنظمة العميلة) والثقافي والإعلامي (إسرائيل وإيران) لكنها عالمية بتوسط الحماية الخارجية غربيا (أمريكا وأوروبا) وشرقيا (روسيا والصين(
الثانية : تتعلق بمستعملي الأداتين وتوابعهما من الحكام العرب في نوعي بلاد الثورة العربية المضادة أي الغرب والشرق في تنافسه على استتباع الأمة من اندونيسيا إلى المغرب كما هو بين من كونهم حاضرين في كل خلاف في أي قطر عربي وخاصة بين أي جارين عربين.
يكفي أن نرى من يعد الخطط لحل المشكل الليبي والسوداني والعراق والتونسي ثم بين المغرب والجزائر وبين قطر ومحاصريها حتى نعلم أن المشكل عربي والعلاج غربي أو شرقي.
لذلك فأي عاقل يتساءل عن علل تدخل أوروبا وأمريكيا مثلا في القضية الليبية أو بين السوريين قطريا أو بين المغرب والجزائر مغاربيا أو بين قطر ومحاصريها مشرقيا.
فنكتشف أن المشكل هو موضوع التنافس بين الشرق والغرب في أرض العرب أعني ما يمكن منه موقعها في جغرافية العالم الجيوسياسية واستراتيجية وما تمكن منها ثرواتها الطبيعية من شروط القوة المادية الحديثة بحيث إن من يدعوهم للحماية والسند هم من يفوتون لهم في ثروات البلاد العربية.
فتصبح المعركة بين الطامعين في الحصول عليهما ويكون دول العملاء فيها مجرد غطاء لشرعية شكلية من جنس المحافظة على شرعية بشار لجعل الاحتلال الإيراني والروسي لسوريا وكانه يستمد شرعيته من شرعية النظام الذي يحتمي بهما.
وهذا يعني أنه حتى الاعداء صاروا بغير قصد منهم يحققون عكس ما يريدون: يريدون طمس التاريخ الإسلامي فإذا بهم يحيونه باحياء صراعاتهم معهم وسيهزمهم ومعهم كل عملاؤهم الذين يلفظهم هذا التاريخ التليد ومن ثم فالمعركة الكونية التي يخوضها الإسلام ليحرر دار الإسلام ومعها المعمورة هي التي ستسيطر على الحرب الأهلية بين المسلمين في كل قطر وبين الاقطار لتعيدهم إلى سر قوة الأمة: تجاوز ما يحاولون ارجاعنا إليه مما تقدم على الإسلام أو مما يتصورونه ناتجا عن نهايته.
فالخصومة الحقيقية لم تبق الحرب الأهلية التي هي ثمرة هذه الشرعية الشكلية لمحميات القطرية التي يمثلها العلماء بل هي خصومة اللصوص الذين يحمونهم خصومتهم التي تذكي نار الحرب الاهلية حتى يستكملوا تفاوضهم بالاقوال والأفعال على اقتسام الغنيمة.
والحكام العرب والنخب التابعة لهم مجرد سماسرة لإضفاء الشرعية على المعركة إلى أن تتم القسمة التي ترضي طرفي التنافس عليها.
اليوم الدمية وأزلامه بصنفيهم المؤمنن بـ”تِكْرِه” والطامع في حكمه ومآل الدولة التونسية لهما هذه الصفة التي لحكام الدول العربية وخاصة سوريا ولبنان:
مجرد غطاء باسم الشرعية الصورية حتى يتقاسم المحتلان للدولة في البلاد. فمن يحكم تونس اليوم هم فرنسا وإيران ومن ورائهما اسرائيل والأغبياء من نخبها بتوسط الشرعية الشكلية التي أعطاها الحمقى من ساسة تونس للدمية إذ صعدوه بنسبة جعلته يتخيل نفسه وصيا على الشعب إرادته هي إرادته ثم يحافظون عليه من اجل الحسم في حرب أهلية يذكيها هؤلاء الحكام الفعليون أي فرنسا وإيران وإسرائيل وإن بواسطة الدمى التي يحمونها غطاء للشرعية الشكلية.هذا تحليل قد يستطيله الكثير وقد يعتبره من جنس “التفلفس” الذي لا فائدة منه. لكن من يفهم الفرق بين التاريخين القصير والمديد أي لب الثورة الخلدونية يمكن أن يدرك أن المسلمين اليوم هم في فجر الثورة الثانية التي ستكون من جنس ثورة الفتوحات.إنها ثورة الفتح الثاني الذي لن يكتفي باسترداد الفتوحات السابقة بل هو سيكون لب نظام العالم الجديد. وسيتبين للأجيال المقبلة إن لم يحصل ذلك في حياتي أني لست احلم بل أتوقع ما هو بين لمن يفهم القرآن الكريم، وقصده بالشهادة على العالمين في عالمي الشهادة والغيب.