المقالات

البعد الإنساني مجرد شعار استهلاكي!(محمد الغرضوف)

قد يظن المرء وهو يرى تلك العناوين البراقة التي تحتل ناصية النوادي الفكرية والفعاليات الجمعوية، أو حتى في الكتابات التي تعنى بالفكر الإنساني والسياسات المبنية على فلسفة حقوق الإنسان خاصة في الغرب؛ أننا أمام صحوة إنسانية تعيد للإنسان آدميته وبعده الإنساني. لكن في حقيقة الأمر يرى الناظر كيف “تحول «المذهب الإنساني» الذي أقيم على «مركزية الإنسان» إلى مجرد شكل أو شعار زاد في مآسي الإنسان ومعاناته واغترابه، وجعله يدور حول ذاته منقطعاً عن ربَّه، وعن محيطه وجذوره، فاقداً لكل ما كان يربطه بكينونته الإنسانيَّة أو علاقاته العائليَّة أو تاريخه أو جذوره الحضاريَّة. وبذلك وجد الإنسان نفسه يتخبط في «عبثيَّة وجوديَّة» تلقي به إلى مجاهل «الفراغ العدميّ» الذي جعله لا يبالي بشيء ولا يهمه أن يدرك شيئاً، فهو لا يدري أكثر من أنه لا يدري إذا توافر له الطعام والجنس. ودراسة أحوال الشعوب التي يسودها هذا النظام كفيلة بإبراز هذه الحقيقة المرّة. وإن تبجح قادتها بخلاف ذلك”.

لقد كانت لهذه الأزمات النفسية آثارا وخيمة على بناء المجتمع والاقتصاد، وعلى العلاقات الإنسانية عامة، كما سيأتي بيانه. ولا غرابة في ذلك طالما أن العلاقة مع الله ومع الذات قد خربت بفعل التصور الخاطئ حول مبرر الوجود وغاية خلق الإنسان؛ وذلك لأن هذه الأزمة النفسية هي لب هذه الأزمات مجتمعة، فالإنسان محور الحضارة الإنسانية وخرابه نفسيا وفكريا يعود بالضرر على منتوجه الحضاري عامة من اقتصاد وسياسة واجتماع. ولا ينفي الأزمة واقع التطور المادي على هذه المستويات التي تعكس مدى التقدم العلمي الحاصل؛ إنما هي منجزات مادية عديمة الروح وخالية من القيم الإنسانية التي تعكس بالفعل الهوية الإنسانية؛ ولهذا نجد أن الإنسان “يعاني من خواء روحه أضعاف ما يعانيه من خواء بطنه، وأن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الناجمة عن اهتزاز المثل العليا وانعدام القيم الرفيعة لا تدانيها أزمات أخرى…ولقد أصبح مسلما به أن ما تعاني منه البشرية من معضلات ومشكلات ناشئ في الأصل عن انحراف التصور (العقيدي) للكون والإنسان والحياة، وبالتالي عن انعدام الضوابط (الأخلاقية) لدى الإنسان”.

فكيف ساهم هذا الانحطاط الأخلاقي في انحطاط المجتمعات الإنسانية ونظمها الاقتصادية والاجتماعية؟ بل وكيف ساهم في تهديد وجودها على وجه البسيطة بفعل الحروب والصراعات؟


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق