الإلحاد: هل هو موقف عقلي أم مأزق نفسي؟ (إبراهيم الدويري)_4_
إقرار الملحدين بالإيمان عنوة ورجاءً
جاء في القرآن الكريم في أكثر من آية أن المشركين إذا واجهوا من الأهوال ما لا طاقة لهم به دعوا الله مخلصين له الدين، وهكذا الملحدون المعاصرون فإنهم إذا ضاقت عليهم الدنيا برحابتها لجأوا إلى الله مذعنين يرجون فضله. وقد ذكرت الكاتبة والناقدة المصرية عبلة الرويني في كتابها “الجنوبي” الذي دونت فيه السيرة الذاتية لزوجها الشاعر الرافض أمل دنقل (1940-1983م)، الذي “مجد الشيطان” لرفضه السجود مع الملائكة، وكان قلبه “في خصومة مع الله”، أنها أمسكته وهو في حالة تلبس بالإيمان حين أجهده مرض السرطان الذي قضى عليه. تقول عبلة: “وأنا أسير جوار التروللي الذي يحمل أمل إلى غرفة العمليات سمعته يتمتم بالشهادة (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول” تقول الكاتبة: ضحكت، وقلت له: أمل لقد أمسكتك متلبسًا بالإيمان، ابتسم في هدوء مرددًا في همس خائف أخشى أن لا يؤثر فيّ البنج فقبلته وأنا شبه منهارة”14.
ومن أطرف القصص التي يعلن فيها الملحدون ما جحدوا عنادًا واستكبارًا ما رواه المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري (1938-2008م) في مذكراته خلال سرده لرحلته الطويلة الشاقة في “الذات الإنسانية والكون”، والتي اقتنع خلالها بفشل “النموذج المادي في تفسير ظاهرة الإنسان، وإدراك لأهمية البعد الديني في حياته”15، أن “مجموعة من التروتسكيين” الذين حضروا إلى معسكر تدريب للفدائيين الفلسطينيين للقتال، وأرادوا المشاركة في العمل العسكري المقاوم، لما شهدوا أول اختبار تصرفوا “مثل أي بشر أي اختبئوا تحت السيارات ولكن ما فاجأ (أي صديقه الراوي) هو أن كل واحدٍ منهم بدأ يتلو أدعية دينية ويطلب العون من الله”16.
هذا سرد ركزنا فيه على تمظهرات تلك النظريات التي ساقها بول فيتز حول تبني الإلحاد لأن أغلب أدعياء الملاحدة من بني جلدتنا مسترهنون عاطفيًا لمفكري الغرب وفلاسفته، وإلا فإن المسلمين يقرأون القرآن الذي صنف الكفر ضمن “أمراض القلوب” قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا، كما قال الرازي: “الأمراض منها روحانية، ومنها جسمانية، والدليل عليه أنه تعالى سمى الكفر مرضًا فقال تعالى: {في قلوبهم مرض} (البقرة: 10)17، وفي سورة الحج قال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (سورة الحج 11).