في إشكالية تطور الدولة في المغرب: (محمد شقير)_2_
2 – الـمـقـترب الوصفي (حركات كنموذج)
يشكل مـؤلـف ابـراهـيـم حركات (المغرب عبر التاريخ) دراسة شمولية عن تاريخ الدولة بالمغرب (1). و يتجلى ذلك على الخصوص من خلال ماجاء في مقدمة الأجزاء الثلاثة لهذا المؤلف ؛ حيث يقول حركات :” عـمـلــت علـى أن يــكون الكـتـاب فـي ثـلاثـة مـجـلـدات أولــهـا ينـتهي بنـهايـة دولـة الـموحـديـن و حــضـارتـهـم و الـثـانـي يــؤرخ لـلـمـغرب مـن دولـة المرينيين إلى نهاية السعديين ، و الثالث يؤرخ لـدولـة الـعـلـويـيـن . (2) “
و لعل هذا يظهر أن إشكالية التأريخ للدولة المغربية كانت إشكالية محورية لدى المؤلف جسدها بشكل كبير من خلال تأكيداته المتكررة في نفس المقدمة على هذه الاشكالية.
وهكذا أشار إلى أن “تاريخ أي دولة في العالم ليس مجرد أنوار ساطعة و حياة سعيدة على ممر الأيام.” بالاضافة إلى ذلـك، شـكـل هـذا الـمؤلف أيضا طموحا علميا متميزا مقارنة بباقي الكتابات التاريخية الأخرى . فـهـو لـم يـقـتـصـر عـلـى الـتـأريـخ لـمرحـلـة سيـاسـيـة مـن تـاريـخ المغرب ، أو الاكتفاء بالتأريخ لأسرة حاكمة ، بل كان طموحه يشرئب إلى التأريخ للمغرب منذ العصور القديمة إلى العصر الحديث الشيء الذي يعتبر تجاوزا للنظرة التأريخية التي تربط تاريخ المغرب بتاريخ دخول الاسلام إلى المغرب. وهكذا يقوم حركات في بداية الجزء الأول من المؤلف (من عصر ماقبل التاريخ إلى نهاية دولة الموحدين) بالتحدث عن أصل البربر و مختلف القبائل التي كانت تعيش في أنحاء المغرب (4). ثم يخلص بعد ذلك إلى التحدث عن مختلف الشعوب و الدول التي غزت المغرب ابـتـداء بالفـنيـقـيـين و مرورا بالقرطاجيين و الوندال و انتهاء بالعرب . (5)
وتتلخص المرتكزات المنهجية التي ينبني عليها مؤلف حركات في المحددات التالية :
– المحدد الجيو ستراتيجي
– النظرة الايديولوجية
– الإرث الخلدوني
أولا : المحدد الجيو ستراتيجي
تخترق مؤلف حركات نظرة جيو-استراتيجية واضحة ظهرت على الخصوص من خلال تحديده لوضعية المغرب الجغرافية و كذا ربطه بين التاريخ السياسي للمغرب و الوضع السياسي الاقليمي المحيط به :
أ – وضعية المغرب الجغرافية
منذ البداية، وصف المؤلف المحددات الجغرافية التي أثرت في التاريخ السياسي للمغرب ،حيث جسدها في ثلاثة عوامل رئيسية :
– العامل الأول يتجلى في الموقع الاستراتيجي الذي يتميز به المغرب ؛ حيث يشكل حلقة وصل بين افريقيا و أوربا الشيء الذي أثر على هويته السياسية . (1)
– العامل الثاني يـكمن في صعوبة تضاريسه و تعقد “مور فولوجيته” الطبيعية مما أثر أيضا في مجرى تاريخه السياسي . (2)
ب – المحيط الخارجي
كان حركات يربط بين الاوضاع السياسية الداخلية و المستجدات الدولية، و بالأخص تلك التي تهم المنظومة المتوسطية . و قد كان يصنف المستجدات وفق ترتيب سياسي خاص ؛ بحيث كان يشير أولا إلى التطورات السياسية التي عرفتها دول العام المسيحي ثم التطورات التي عرفها العالم الإسلامي ليخلص بالتالي إلى الأوضاع الداخلية التي هيأت أوصادفت قيام كل” دولة” من ” الدول المغربية” .
ففيما يتعلق بنشأة الدولة الموحدية مثلا يشير حركات إلى ما يلي :
1- العالم المسيحي
عاصر الموحدون كسابقيهم المرابطين ، الحملات الصليبية التي شنها المسيحيون قصد استخلاص الأماكن المـقـدسة الـمسـيحية مـن يد المسلمين و التي امـتـدت خـلال قـرنـين تقريبا : 1291-1096م ، و اعتبر المسيحيون أن مـجـموع أراضي الشام لاسـيما الـقـدس ، و كـذا مـصـر داخـل في الأراضي المقدسة، و بدأ الصراع لأسـبـاب ديـنـيـة و استند لنفس الأسباب ظـاهـريا طـيـلـة الـحروب الصـلـيبية . غير أنه ارتكز أيـضا عـلـى عـوامـل سـياسـية و اقــتـصـاديـة … و مـن أهـم العوامل السياسية كثرة النزاعات الحربية بين الأمراء و عدم تأطير المجتمعات الأوربية في بوتقة وطنية أو قومية .
2 – أوضاع العام الاسلامي
وصلت الخـلافـة الـعـبـاسية إلى مرحلة كبيرة من الضعف، و انشطرت المجموعة الإسلامية إلى عديد من الأنظمة و الدويلات كالبويهيين بالعراق و فارس، و السلاجقة بالشام و آسيا الصغرى، و الفاطميين بمصر ثم الايوبيين بعدهم …
3 – الشمال الافريقي
كان الشمال الافريقي من الوجهة السياسية موزعا بين عدة دوائر نفوذ :
1 – المرابطون بالمغرب الاقصى وغرب الجزائر
2 – بنو حماد شرقي بالجزائر
3- النرمنديون بسواحل افريقية” (1)