تقديم كتاب: شعر الهذليين: دراسة دلالية تداولية(إدريس مقبول)
الكتاب: شعر الهذليين: دراسة دلالية تداولية
الكاتب: عز الدين النملي
دار النشر: شرفات للنشر والدراسات
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله وسلم وبارك على الرحمة المهداة للعالمين وعلى آله الغر الميامين وبعد..
لقد شَكَّل الهذليون مصدر جذب وإلهام وعناية بالغة من قبل علماء العربية، فقد كان أفراد هذيل عناوين للنبوغ والتميز، أو كما قال يونس بن حبيب: “ليس في هذيل إلا شاعر أو رام أو شديد العدو”، فاهتم النقاد بأنسابهم وعاداتهم وإحصاء منازلهم، كما اهتموا بجمع ديوانهم وتحقيق رواياته وشرح مُعتاصه واستخراج صُوره وعناصر فرادته، ولم يقتصر الاهتمام بشعر الهذليين على نقاد العربية، بل تناوله لأهميته نفر من المستشرقين ممن استشعروا منزلته وقيمته، منهم ماسينيون وبرافمان وفيشر وفيرشتيخ وغيرهم.
وبالنظر لقيمة شعر الهذليين الذي تبوأ مقعد المجد في تاريخ العربية، وتسنم ذروة الخلود في أدبها، فقد وجد طريقه السالكة لكتب اللغويين تأسيسا لقواعد العربية واستشهادا به على تراكيبها وأساليبها، كما وجد طريقه أيضا لمدونات أساطين النقد والبلاغة اعترافا منهم بإبداعية هذه الشواهد ورقة قائليها وفحولتهم وانغراسهم في أرض الفصاحة والبيان.
وإنه لشرف لنا في مركز ابن غازي أن نقدم للقارئ العربي هذا العمل التحليلي الفريد عن شعر الهذليين لناقد فني من الطراز المختار، هو الدكتور عز الدين بن محمد النملي، ناقد متزن، أكسبه طول تمرسه باللغة العربية وآدابها رهافة حس، وسمو ذوق وجودة نظر بطرائق التشكيل الفني والشعري في مدارس الشعر قديمها وحديثها، يمر إلى المعاني الدقيقة من مسالك اللغة التي جمع معرفته بأدواتها وفنونها ومدارسها أثناء اشتغاله بالتدريس والبحث سنوات ذوات العدد، فجاءت لغته النقدية جميلة مسترسلة دون افتعال، منقادة في مجاري الفصاحة العالية خالية من الإسفاف أو الابتذال.
هذا العمل النقدي جاء بعد مُعتكَف طويل على دواوين الشعر القديم بعد مجافاة كثير من الباحثين لها، وسفر شاق وممتع في بطون أمهات النقد وعلوم اللغة وتاريخ العربية ولهجاتها، مع ارتياض لساحات النقد الحديث بشجاعة لا تخطئها العين، ولهذا لا يجد القارئ صعوبة في اكتشاف أثر كل ذلك على أسلوب صاحبه وطريقته في بناء العبارة التي جاءت مستجمعة لشروط القول النقدي كما حدها الجرجاني والآمدي وابن عبد ربه وغيرهم من أرباب الصناعة النقدية، فالدكتور عز الدين النملي من قلائل النقاد اليوم المحيطين بأسرار أساليب العرب، الحافظين لعيون كلامهم شعره ونثره، المغرمين بالتفتيش عن درر المعاني المنثورة في عيون القصائد، وهو في كل ذلك غير منغلق على ما تجود به قرائح جياد النقاد المحدثين ونظرياتهم، ولهذا تجده يتوسل بكل الأدوات ويسلك كل الشعاب من أجل تحقيق أكبر قدر من “الكشف” الممكن لطبقات الدلالة والمعنى.
في هذا العمل يكشف لنا الدكتور عز الدين النملي عن مقدار صبره في متابعة الشواهد وتقصي أوجه الجمال والإبداع فيها، وصُور الإجادة والإتقان التي حفل بها شعر الهذليين، وهي منزلة تنبئ عن طول تمرس بأفانين علوم العربية، وصبر على لأواء البحث الذي لم يتوقف صاحب هذا العمل لحظة في طلبه والمضي فيه رغم حفوفه بالمشاق، يزينه في مسيرته تمام العفة وكمال التواضع والإنكار للذات، فالرجل مُوَطَّأ الأكناف لمن يعرفه ولمن لا يعرفه، مباعد لنفسه عن الغرور والتعالي، نبيل غاية النبل، يُعَلِّم بسيرته قبل أن يُعَلم بكلامه.
وإننا لنرجو أن نكون بإخراج وطبع هذا العمل النقدي النفيس مُوفَّقين إلى الإضافة النوعية والإفادة، ومُسدَّدين إلى الغاية، وإن أوجز ما يمكن وصف هذا السِّفر به هو أنه تحويل لقِبلة النظر النقدي إلى حيث الوجدان الشعري الراقي واللغة الأدبية التي حفظت لنا قيم المجتمع الرمزية والأخلاقية العالية..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.