حمو النقاري وجهوده المنطقية في الجامعة المغربية(أحمد الفراك)_2_
في حوار منشور طُرح السؤال الآتي على النقاري:
تشهد الساحة الفلسفية المغربية نشاطا ملحوظا، فما نظرتكم لهذه الممارسة الفلسفية حاليا؟
فكان جوابه تفصيليا في توجهات الدرس الفلسفي المغربي عموما، وفي موقع اجتهاداته هو المنطقية والفلسفية ضمن حقول اشتغال متفلسفة المغرب المعاصرين:
“الحديث عن الممارسة الفلسفية المغربية في الوقت الراهن، حديث يمكن أن نميز فيه جملة من التوجهات، متفاضلة من حيث قيمتها العلمية، ومن حيث حديثها، ولن أدخل في مسألة التقويم، أو التقييم، فهذه مسألة تبقى للتاريخ فهو الوحيد الذي يمكن أن يحكم عليها.
من هذه التوجهات يمكن أن نذكر بعضا مما تعرفه الساحة الفلسفية المغربية المعاصرة:
– أولا توجه يستثمر الفلسفة والتراث في الإبداع الروائي، وهو استثمار له أهداف وغايات لا داعي للخوض فيها، أدخل في هذا المجال إبداعات الأستاذ بنسالم حميش، وإبداعات الأستاذ أحمد توفيق.
– التوجه الثاني في الممارسة الفلسفية المغربية المعاصرة هو توجه تهم فيه مسألة تقريب الفلسفة الحديثة، في انتمائها الفرنسي أساسا، وهذا التوجه يتمثل في جملة من الكتابات التقريبية للفلسفة الغربية، يطغى في هذا التوجه البعد التأريخي للفلسفة.
ولعل المثير للانتباه في هذا التوجه هو الخصاص في القدرة على استيعاب النصوص الفلسفية الغربية في لغاتها الحقيقية، فلا يبعد أن تجد من يتحدث عن الفلسفة الفرنسية الحديثة المعاصرة، ويكتب فيها، وهو لا يتقن الفرنسية، ويفهمها فهما خاطئا، تنقلب فيه الدلالات والمعاني، وبالتالي المقاصد، ولا يبعد أيضا أن تجد من يكتب في الفلسفة الألمانية، وهو لا يعرف الألمانية، وهكذا دواليك. هذا التوجه الذي تبرز فيه الانشغالات بالفلسفة الحديثة ربما هو في بدايته، قد يؤدي إلى ظهور أسماء لها مكانها في تقريب هذه الفلسفة، من جهة استيعاب مضامينها بوجوهه الحقيقية. ومن جهة تقريبها للمتلقي العربي بوجوه حقيقية وسليمة أيضا.
– توجه فلسفي آخر تشهده الساحة الفلسفية المغربية، يبرز فيه الاهتمام بالفكر العربي المعاصر، وهذا التوجه تطغى فيه – في نظري – اعتبارات صحفية، وسياسية ظرفية، ولا يمثله إلا قلة من الأشخاص.
– توجه آخر تبرز فيه الانشغالات بالقضايا الفكرية الإسلامية العربية القديمة، سواء في جانبها الفلسفي أو في جانبها الأصولي والتصوفي، وهذا التوجه في نظري يفضل بكثير، التوجهات المذكورة سابقا.
– توجه فلسفي آخر تشهده الساحة الفلسفية المغربية، وهو توجه تبرز فيه الانشغالات المتعلقة بمسائل الإبستيمولوجية، ومسائل تاريخ العلوم، وهو توجه يعطي الآن ثمرات أعتقد أنها ثمرات نافعة ومنتجة، وهذه الثمرات تشهد لها المؤلفات الجماعية التي تصدرها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ويكفي المرء أن يطلع على هذه المؤلفات الجماعية، ليدرك جديد العمل، وطابعه المتأني والمتريث، والمستشرف للمستقبل.
– أخيرا نجد في الممارسة الفلسفية المغربية المعاصرة توجها يغلب عليه الهم الانتقادي من جهة، والتنظيري من جهة ثانية، ويكفي هنا أن نشير إلى أعمال الأستاذ محمد عابد الجابري وأعمال الأستاذ طه عبد الرحمن، فهما الممثلان لهذا التوجه الأخير، التوجه الانتقادي التنظيري.
وبالمناسبة، وكما قلت في بداية هذا الحديث عن مساري العلمي الخاص، لا بد وأن أذكر اعتزازي وفخري بانتمائي إلى هذا التوجه الأخير في شعبته التي يمثلها الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمن والذي تشهد مؤلفاته المتعددة على قدره وقيمته العلميين”[1].
[1] – النقاري، حمو. “عالم المنطق حمو النقاري متحدثا في قضايا التراث والمنهج والتصوف”، حوار مع حمو النقاري، موقع “الإسلام في المغرب”، حاوره الباحث محمد البغوري، بتاريخ: 05 آذار/مارس 2014م، وتمت زيارته يوم 22 مارس 2020.