تقديم كتاب: الحكاية الشعبية بين المتخيل والتوظيف الديداكتيكي(إدريس مقبول)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على النبي الكريم وبعد..
فإن من مهمات المدرسة ترسيخ ثقافة المجتمع في نفوس الناشئة، وتوطيد علاقتهم بتاريخهم الأدبي والجمالي بشقيه الرسمي والشعبي، وفي كل مساعي التربية تقع الثقافة الشعبية كالمهاد الذي يمشي عليه المتعلمون ويتنفسون هواءهم الأول من خلال القصص والأمثال والاستعارات والترانيم والألحان التي تسكن وجدانهم وتؤثث ذوقهم قبل أن ينفتحوا على باقي الثقافات الكونية.
لقد تم تجاوز النظريات الانثربولوجية التي كانت تنظر إلى عهد قريب إلى الثقافة الشعبية على أنها ثقافة الطبقات المنحطة والهامشية، أو أنها مجرد عبث وتشويش على ضفاف الثقافة الراقية الرسمية والنخبوية. وبتنا إزاء تصورات وتحليلات ثورية ساوت بين البنى الثقافية كيفما كانت على اعتبار أنها أنساق تحدد ذهنيات المجتمعات وترسم مواقفها وأذواقها، وهي أبدا لا تصلح لأن تكون موضوعا للمفاضلة، بل وأكثر من ذلك صرنا أمام تقدير أكاديمي وتربوي أعاد وضع الثقافة الشعبية في مركز الاهتمام.
في هذا الكتاب الذي اختار له الدكتور بوشتى حجوبي عنوان “الثقافة الشعبية بين المتخيل والتوظيف الديداكتيكي”، سعى الباحث بجدية وصبر ودقة إلى الترافع العلمي عن قضية الثقافة الشعبية وأهمية إدماجها داخل منظومة التربية والتعليم، فقد أصبح أمرا يتجاوز الجدل والخلاف في هذا العصر الذي تبتلع فيه الثقافات العولمية الثقافات المحلية، مما يجعل مسألة الهويات التقليدية في مهب الريح إن لم تبادر الهيئات الرسمية ووزارات التعليم إلى اتخاذ عاجلة للإدماج الثقافي لمفردات الثقافة المحلية، وإلى اتخاذ إجراءات وقائية ضد هذا الهجوم الشرس لطاحونة العولمة الثقافية. ولتجنب هذه الخطر الذي يتهدد هويتنا وأصالتنا لابد من التفكير بجدية في صيانتها وتقويتها، من خلال الحضور الفعلي للتراث الشعبي في المنهاج الدراسي على مستوى الأهداف والبرامج التعليمية والأنشطة المدرسية حتى يستفيد منها المتعلم فكرا ووجدانا وسلوكا.
يحرص الكاتب وهو أحد المتخصصين اليوم الذين يجمعون بين الخبرة التربوية بما راكمه من سنوات التدريس ومناهج التربية والتعليم من جهة وأيضا الاطلاع الواسع على الانثربولوجيا العلم الذي جعل موضوعه الثقافات من جهة أخرى، على أن يبحث عن الجسور والآليات والأدوات والسبل التي يمكن من خلالها عبور الثقافة الشعبية باعتبارها ثراتا ماديا وغير مادي في نفس الآن في اتجاه المقررات والمناهج الدراسية لتصب في النهاية في وجدان أجيال المستقبل، تصل فيهم الماضي بالحاضر، وهو بذلك يحاول ان يجد حلا لمعادلة التوازن المستعصي بين المحلية والكونية، بين الاعتزاز بالذات الحضارية والانفتاح على العالم.
وفي اعتقادنا أن الدكتور بوشتى حجوبي باجتهاده هذا قد نجح على الأقل في إثارة انتباهنا نحن التربويين والمشتغلين بحقل التعليم إلى قضية غاية في الحساسية في أفق تظافر جهود قطاعات وتوفر إمكانات وقبلها إرادات يوجهها وعي حاد بأنه لا وجود لنا في خارطة العالم الموضوعي إلا بوجودنا الثقافي المحلي، وأن تقدير الآخرين لنا لا يكون إلا حينما نحقق تقديرنا لأنفسنا أولا.