العلماء في أدبيات الحركة من أجل الأمة: (عبد الرحمن منظور الشعيري)
تقوم الحركة من أجل الأمة بقيادة مؤسسها محمد المرواني بدور تنظيري متنور- على ندرته- في الحقل الديني المغربي، وبالأخص في ملامسة قضايا الديمقراطية والدولة المدنية والتحديث السياسي والنهوض الحضاري .
ففي معرض قراءته الفكرية لعلاقة الحاكم والعالم في التجربة التاريخية الحضارية الإسلامية يبرز محمد المرواني ثلاث مراحل سياسية كان لها التأثير البنيوي في عجز وقصور العلماء، منهم عن أداء واجبهم التنويري والسياسي، فقد تميزت المرحلة الأولى من هذه العلاقة الشائكة بين أهل السلطة السياسية وأهل العلم والقلم بحسب المرواني “بالتكامل والتعاون والتناصر، وهي مرحلة تميزت باستقلالية السلطة العلمية وسموها عن باقي السلطات بما فيها السلطة السياسية أي سلطة الحاكم”[1].
بينما، عرفت المرحلة الثانية في نظره: التوتر والاضطراب والمواجهة، حاولت فيها السلطة السياسية المساس باستقلالية العلماء والقضاة… وقد كان من أبرز مظاهرها، تعرض أهل العلم للقمع والاضطهاد، بل والتصفية الجسدية، وفي هذه المرحلة بالذات برزت المدرسة الإسلامية الأصولية التي وضعت أسس وقواعد الفهم والنظر الشرعي في محاولة ذكية لتأمين استقلال الحكم الشرعي عن أية تأثيرات سياسية[2].
أما المرحلة الثالثة بحسبه دائما، فقد عرفت نوعين من العلاقة في آن واحد: علاقة التوتر والمواجهة بين جيل العلماء الذين واصلوا تمسكهم بوظيفتهم ورسالتهم واستقلاليتهم في بيان الأحكام الشرعية، وعلاقة التبعية والشرعنة لبعض “العلماء/الأجراء” لسياسات الأنظمة السياسية، انتهت بمحاولات متعاظمة لتضييق مجال الإفتاء وخوصصته تحت وصاية السلطة السياسية، هذا فضلا على تحجيم مجال البيان في حدود العبادات والقضايا الشرعية التوقيفية، وهو ما يهدد بتصفية الدور الاجتهادي للعلماء فيما يتعلق بنوازل الأمة وقضاياها وتحدياتها وكذلك إنهاء دورهم الاستنهاضي والتحريضي فيما يخص مهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة المحتل[3] .
وإذا كانت المرحلة الأولى من العلاقة بين العلماء والحكام ارتبطت بحقبة حكم الخلفاء الأربعة الراشدين، والثانية التبست بحكم الاستبداد وهيمنة أسلوب العنف والتضييق ضد العلماء في أطوار تاريخية متعددة من التجربة السياسية الإسلامية ابتدأت منذ حكم الأمويين، فإن قراءة رئيس الحركة من أجل الأمة للمرحلة الثالثة والأخيرة تعد إسقاطا واضحا على الحالة المغربية، وانتقادا لتوجه الدولة في ظل مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني في ضبط وتشديد الرقابة على الخطاب الديني للعلماء المغاربة، ومحاولة حصره فقط في الحديث عن قطعيات الدين، مع منعه بأساليب الضغط الإداري والسياسي، والأمني أحيانا، عن الخوض في الاجتهاد الشرعي للإجابة عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ومثل غيرها من الحركات الإسلامية وتؤمن الحركة من أجل الأمة بمركزية التأصيل الشرعي لمواقفها واختياراتها الإيديولوجية والسياسية، ومن ثم فهي تعتبر العلماء بما لهم من رسوخ في العلم بالشريعة، ومن استقلالية عن السلطة الحاكمة يشكلون سلطة معرفية وحركة اجتماعية ونخبة أساسية في عملية الإصلاح والتغيير الاجتماعي والسياسي، ففي نفس المقال كتب محمد المرواني بأن حركته”… تميز […] في مشروعها للتصحيح والإصلاح والتغيير بين ثلاث مضغ: العلماء والحكام والشعب (أو الأمة) أي بين ثلاث حركات: حركة العلماء (وهي السلطة العلمية) وحركة الحكام (وهي السلطة السياسية) وحركة الشعب والأمة (والحركة الإسلامية جزء أساسي ومؤثر فيها).[4]
ولذلك تدعو الحركة من أجل الأمة إلى ضمان استقلالية نخبة العلماء والحرص على عدم ارتهانها لطموحات ورهانات السلطة السياسية، مما يستوجب ترسيخ مكانتها كسلطة مستقلة لها الاستقلال المالي المستوفى من موارد الأوقاف الإسلامية، فترى بأن “العلماء ورثة الأنبياء، وأن من مداخل فساد المجتمعات والأمة هو فساد العلماء وقلتهم “إنما يقبض الله العلم بقبض العلماء”، ولذلك يجب أن تكون سلطة العلماء مستقلة كما الأمر والحال المطلوب لسلطة القضاء في استقلاليتها وسموها على سلطة الحكام، لذا سبق للحركة من أجل الأمة أن اقترحت قبل التعديل الدستوري لسنة 2011 التنصيص على تدعيم مكانة العلماء من خلال إقرار مؤسسة دستورية مستقلة للعلماء تسمى السلطة العلمية (أومؤسسة العلماء) وبإطلاق حريتهم في الدعوة والتبليغ وبيان الأحكام الشرعية وبإصلاح منظومة الأوقاف بحيث تؤدي دورها في تعزيز مكانة العلماء الاجتماعية وتوفر الاستقامة المالية لهم”.[5]
ومن خلال استنطاق مضامين الاقتراح الدستوري لمحمد المرواني بجعل مؤسسة العلماء مستقلة دستوريا، نتبين تمثل الطموح الواسع للعقل الإسلامي الحركي المعاصر في استحضاره المبدئي لسمو مؤسسة العلماء واستقلاليتها عن السلطة السياسية، لنزعة مثالية أقرب إلى اليوتوبيا. فإذا كانت هذه النزعة يمكن تفهمها على المستوى النظري المحض، فإنها من المقاربة الدستورية والسياسية في الدولة الوطنية الحديثة تحتاج إلى اجتهاد سياسي وتفصيل قانوني يمكن من تعزيز مركز علماء الدين في البنية التمثيلية للدولة، خاصة فيما يرتبط بتنظيم الفتوى وضمان عدم تعارض القوانين مع قطعيات الشريعة الإسلامية، كما يضمن من جهة أخرى الحفاظ على الطابع المدني للدولة، وخضوع القرار السياسي فيها للنسبية المفروضة والممكنة لتعايش مختلف الفرقاء السياسيين عبر قنوات النقاش العمومي والتنافس الانتخابي الديمقراطي.
ووجه محمد المرواني نقدا حادا لمواقف الحركات الإسلامية المغربية تجاه المؤسسة الرسمية للعلماء المتسمة بالريبة والتوجس، وذلك في معرض قراءته التاريخية لتجربة هاته الحركات وكسبها في مجال العلاقة بالفاعلين الدينيين والسياسيين فقد”… ظل الموقف من العلماء ومؤسساتهم محكوما بثنائية التطهر والتوجس، وقد مثل هذا الموقف واحدا من المواقف اللاتاريخية وغير الراشدة، لقد وضع هذا الموقف العلماء جميعا في سلة واحدة: موظفو السلطة السياسية وأدوات التزكية والشرعنة. وهذا الموقف تم سحبه وبسطه على الجميع دون تمييز بين علماء أحرار خيرين، وعلماء تخلوا عن دورهم في بيان الأحكام الشرعية تحت ذرائع مختلفة … وهو ما يعكس أزمة العلاقة بأهم مكونات طليعة المجتمع المدني، ولذلك سيظل اليوم مطلوبا تصحيح هذه العلاقة على أسس سليمة بل والعمل على تبويء مؤسسة العلماء المكانة اللائقة بها حتى تقوم بدورها في بيان الأحكام الشرعية ونصرة الحق ومقاومة المنكر والاستبداد”.[6]
وفي المحصلة ينسجم تشديد محمد المرواني على ضرورة نضال تنظيمات الحركة الإسلامية في سبيل تعزيز مكانة العلماء الدعوية والسياسية في المجتمع المغربي مع ثوابت العقل السياسي الحركي الإسلامي المعاصر الذي يحدد للدولة الإسلامية وظيفتين مركزيتين:
- الأولى: الوظيفة العقدية: وهي في جوهرها ليست إلا حراسة للدين، بما يؤكد الوظيفة الدينية للإمامة.
- الثانية: الوظيفة الاستخلافية: وتتفرع إلى وظيفتين، الأولى: وظيفة العدالة والثانية الوظيفة العمرانية الإنمائية.[7]
ومن ثم تعتمد الدولة الإسلامية في أداء وظيفتها الدينية على مجهودات العلماء في ترسيخ البعد العقدي والشعائري للدين في المجتمع.
[1] – محمد المرواني، منزلة وموقع علماء المغرب في البنية الشرعية والفكرية للحركة الإسلامية المغربية منشور بقسم المقالات بالموقع الإلكتروني الرسمي لمحمد المرواني رئيس حزب الأمة-غير المعترف به- www.almrouani.net بتاريخ 10 فبراير 2009.
[2] – نفس المرجع.
[3] – نفس المرجع .
[4] – نفس المرجع.
[5] – نفس المرجع.
[6] – محمد المرواني، مساهمة في نقاش تأسيس حول الحركة الإسلامية المغربية، مجلة منار الهدى العدد الرابع، خريف 2003 ص 19.
[7] – محمد المرواني، الدولة الإسلامية، دولة مدنية، مجلة منار الهدى العدد: 8 دجنبر – يناير 2007 ص 37. وقد ذكر الكاتب الوظيفتين العقدية والاستخلافية للدولة الإسلامية استنادا لكتاب المفكر المصري سيف الدين عبد الفتاح اسماعيل: في النظرية السياسية من منظور إسلامي، إصدارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى 1998 ص 363.